كتب محمد عبدالله سيد الجعفرى
خلق الله الناس وجعل لكل منهم رزق ومنصب وكيان فى المجتمع بثفة اساسية وجعل ايضن في جاههم، فمنهم ذو الجاه والمكانة، ومنهم المتوسط، ومنهم الضعيف المحتاج لغيره، ومن هنا كانت الشفاعة من الوسائل المعينة على قضاء حوائج الناس، وفيها توسعة عليهم ورفْعٌ للحرج عنهم، وهي من وجوه البر والإحسان؛ لأنه ليس كل إنسان يستطيع الوصول إلى السلطان أو ذوي الأمر؛ لذا يحتاج لمن يوصل أمره ويرفع حاجته ويتوسط له؛ جاء في الحديث قوله: “أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها”، وبخاصة في هذه الأزمنة المتأخرة التي كثر فيها الناس، وتعددت الحاجات حتى أصبحت الشفاعة والواسطة ظاهرة تدخل في كثير من الأمور.
ولا شك أن تفاعل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحيطة بأفراد المجتمع عمومًا وبالموظف العام خصوصًا، قد أدت بدورها إلى انتشار هذه الظاهرة وتزايدها المستمر، حتى صار من الأهمية بمكان التصدي لهذه الجريمة، وبيان أركانها وعقوبتها، مع بحث أسباب هذا التزايد وأهم وسائل مكافحة هذه الأسباب، كون تفاعل هذه الظروف تجعل هذه الظاهرة في تصاعد مستمر وتطور دائمٍ؛ مما يعني ضرورة وأهمية البحث عن وسائل مكافحتها، والتي قد تختلف وتتطور باختلاف هذه الظروف المتفاعلة باستمرار، ومما يضاعف من أهمية البحث ويجعل موضوعه حيًّا، هو تزامنه مع ظهور الاهتمام الواسع لمحاولات الإصلاح المالي والإداري، ومحاولة القضاء على الفساد الكائن في الأجهزة الإدارية المختلفة؛ سواء في العراق كبلد خطت فيه الرشوة خطواتها المتسارعة نحو مفاصل الدولة، وبنت إمبراطوريات مالية كبيرة على حساب فقراء الناس من العراقيين.الحاجة الفعلية لوضع مثل هذه البحوث تفرضها ظروف تتلخص بـ:
• ضَعف الوازع الديني من أهم العوامل المؤدية إلى تزايد انتشار ظاهرة الرشوة، خصوصًا في مثر وصار للفرد ظاهر يتعامل به، وباطن يخفي فيه كل رذيلة وحب للمال والجاه والسلطة.
• تنتشر الرشوة حيث يضعف النظام الإداري، ويغيب مبدأ الثواب والعقاب.
• تزايد انتشار ظاهرة الرشوة لدى الموظفين، والاتجار بالوظيفة العامة في جميع أجهزة الدولة، فالمنصب يباع والجاه يشترى، والشهادات العلمية تُزوَّر وتتغير
.• تزايد شكوى المواطنين من اتساع رقعة هذه الظاهرة، وعدم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحد منها، فإن خارطة الرشوة امتدت إلى عمق الوظيفة الحكومية، فأصبحت من الأخطار المحدقة بالجميع.
• إخلال هذه الظاهرة بسير الأداة الحكومية، وخلْق حالة من انعدام الثقة بين الحكومة والمواطن، وأزمة الثقة هذه قادت إلى تفكك البناء الحكومي العراقي، حتى إن مساهمة مؤسسات الدولة في محاربة الفساد الإداري والاجتماعي، لا بد منها في أي مجتمع والمعالجة الجذرية لها ومواجهتها للتوصل إلى بناء اقتصاد مبني على أسس متينة يصل إلى مرتبة الدول المتقدمة
يهدف البحث إلى التعرف على مفهوم الوساطة والمحسوبية، وآثارها في الفساد الإداري والاجتماعي، وتبيان خطرها النفسي والاجتماعي، وما هي مظاهرها ووسائلها المساعدة في تفشي هذا النوع من الفساد، وما هي طرق معالجتها والخطة التي يجب اتباعها للحد من تفشيها والنهوض بالمجتمع، وجعله معافًى من الآفات
يبدو من كل ما تقدم أن المحسوبية والوساطة ظاهرة تاريخية مرت في حياة الشعوب وفقًا لظروف سياسية واقتصادية واجتماعية معينة، والذي يدفع ممارستها في معظم هذه الشعوب ليس إلا حاجة الإنسان لإشباع رغباته من جانب ومن جانب آخر ذاتية الإنسان وحبه لنفسه، فضلاً عن أن الواسع الديني له أثر كبير في تفشي هذه الظاهرة ولمختلف الأديان، ومن ذلك نستطيع القول :
• لا تتوقف المحسوبية والوساطة على مجتمع دون غيره، فهي ظاهرة تشترك فيها جميع المجتمعات.
• لا يعد الالتزام الديني السبب الوحيد في ممارسة ظاهرة الرشوة، بل هناك القاعدة الأخلاقية والبيئة التي تربى بها الفرد، فضلاً عن التركيبة النفسية له، وكلها عوامل تلعب دورًا في ممارسة الظواهر السلبية.
• إن عدم وجود روادع قانونية واضحة، يعد دفعًا من دوافع ممارسة ظاهرة الرشوة.
• إن وصول أشخاص ضعاف نفوس إلى المناصب الإدارية والحكومية المهمة تجعلهم مندفعين ومتعسفين في استخدامهم لسلطاتهم، فيمارسون ظاهرة المحسوبية والوساطة.
• يلعب الإعلام دورًا كبيرًا في ممارسة الرشوة من عدمه؛ حيث إن فضح بعض الظواهر وتسليط الضوء عليها، يُسهم بشكل أو بآخر في الحد من هذه الظاهرة. – يعمل بعض رؤساء الدول من كبار المسؤولين على غض الطرف لممارسي ظاهرة المحسوبية والوساطة لأسباب وعوامل شخصية اجتماعية كانت أو سياسية، الأمر الذي يقود إلى الصمت عن ممارس الرشوة من الحاشية والأقرباء.
• غياب الحماية القانونية لمن يتصدى لفضح ظواهر المحسوبية والوساطة في الدوائر الحكومية، وانعدام الغطاء القانون بالصمت عن فضح الرشوة.
• إن في الساحة العراقية اليوم تفشٍّ واضح للرشوة وممارسة الفساد الإداري والمالي لوجود خلل واضح في المنظومة الإدارية لمعظم الدوائر الحكومية، وهذا بدوره قد قاد إلى هذه الصور المقرفة لتفشي ظاهرة المحسوبية والوساطة.
من خلال جولة في أسباب ودوافع ظاهرة الرشوة اقترح واقول اليكم ما يلى
• العمل على سند قانون عقوبات صارم، يأخذ على عاتقه معاقبة ممارسي هذه الظاهرة، وعلى سبيل المثال فصل الموظف مع التوصية بعدم اشتغاله في أي دائرة حكومية، وحرمانه من أي حق تقاعدي، فضلاً عن فضح ممارسته، واعتبار أن الظاهرة هي جريمة مخلة بالشرف.
• انتخاب موظفين يتمتعون بكفاءة عالية ليس لهم حماية حزبية أو فئوية أو جهوية لضمان تطبيق القانون بحقهم في حال إثبات ممارستهم لظاهرة المحسوبية والوساطة.
• تجريد الأشخاص العاملين بالأمور المالية والمتعاطين بالأموال عن أي انتماء حزبي.
• متابعة الشخصيات التي تتولى المناصب من الناحية المالية قبل وبعد توليهم للمنصب ومعرفة، وتحجيم الأموال التي بحوزته، من خلال إجراء كشف دوري على ممتلكاتهم يُبين حجم الزيادة في إراداتهم، ومقارنتها مع ما يتقاضون من استحقاقات.
• العمل الدائم من أجل المقاربة في رواتب الموظفين الحكوميين مع الأخذ بنظر الاعتبار المؤهل العلمي، وحجم المسؤولية الملقاة على عاتق الموظف، ومقارنتها بما يقدم من خدمة.
• رفع المستوى المعيشي لجميع المواطنين، وأخيرًا تفعيل الرادع الديني والأخلاقي من خلال إشعار الموظف بأهميته، وأنه لا بد أن يشكل العنصر النافع في المجتمع.
• العمل على إحياء الروح الوطنية التي بدأت تحتضر عند العديد من المسؤولين، معتذرين أن الروح الوطنية هي عبارة عن لفظة مجردة عن محتواها، فيرددها الجميع في الوقت الذي يسرقون، الأمر الذي أحدث خلطًا كبيرًا في بيان مَن هو النزيه، وبشكل عام فإن هذه المقترحات لا تشكل شيئًا أمام منظومة أخلاقية عامة، يسعى على نشرها كل من السياسي ورجل الدين، والمعلم في المدرسة، والصحفي من خلال عمله، والمثقف من خلال قوله الحق، وعدم المجاملة، وفضح ممارسات الرشوة، والسؤال اامهم
هل المصرين لهم الرغبة فى التساوى فى العدالة ومحاربة الفساد واصحاب النفوذ وان بكون القانون هو الفاصل على كل فئات المجتمع ولكم الاختيار والتعقيب